كلمة رئيس الرابطة المارونية المحامي شاكر ابو سليمان
كلمة رئيس الرابطة المارونيّة المحامي شاكر أبو سليمان
أيها الحفل الكريم،
يغيب اليوم عنا أنطون قازان إلى الأبد وعبيره يملأ بيوت لبنان.
لقد خسرنا بفقده مجموعة من القيم الرفيعة التي عاشها في حياته كرجل، وبين قومه كمواطن، وفي مواكب الفكر الإنسانيّ كأديب.
قيم كوّنت جوهر حياته، وقادت أعماله التي خطّها طيلة عمره بالعرق والدم والدموع ونشّف حبرها بلهاث الحياة.
كان أنطون قازان إطلالة بهيّة على جبين الأخلاق والمعرفة.
وكانت المعرفة بنظره قلبًا ينبض بالشوق والحبّ، شوق الباحث المدقّق، وحبّ الأديب الشّاعر الموهوب. وكانت له أكثر من ذلك، كانت حبل الله الموصول بين الأرض والسّماء.
وكان إنسانًا بكل ما لهذه الكلمة من معنى، فانبرى طوال حياته للدفاع عن حريّة الفكر وكرامة الوطن.
كان رجلاً، فولدت فضائله الهادئة صلابة الخلقُ، فبنى نفسه من غير أن يهدم سواه.
وكان الصّديق الوفيّ يوم عزّ الوفاء وسادت الأنانية، وقد شذّ عن هذه المقاييس فكان الصّديق في يوم الضّيق،
والرّفيق في ساعات الشدّة،
والنصير الحاضر الدائم إبّان المحنة.
كان لنا في الرابطة المارونيّة خير رفيق، وكنا نحسّ فيه الصّدق والإخلاص والوفاء سواء اجتمعنا إليه قريبًا أو ذكرناه بعيدًا.
وكان يثير الهمم باستمرار، ينبّه إلى الأخطار المحدقة بلبنان بنظر ثاقب، وفكر نيّر، ورؤًى بعيدة.
ولا عجب، فقد كان أنطون قازان أكثر ما كان اللبنانيّ الصّميم.
كان محبًّا هائمًا بوطنه، يعمل على بعث مجده الغابر ليوقظ الحاضر وينير طريق المستقبل.
فقد نشأ وترعرع في كنف عائلة كريمة عميقة الجذور في أرض لبنان، قُدّت من صميم صخوره فقدّست الحريّة في أرحب أبعادها، وجسّدت الكرامة في أنبل مراميها، وأرضعته مع الحليب شرف الانتساب إلى لبنان.
فآمن بوطنه إيمانه بربّه؛ آمن به قيمًا وحريّة وكرامة إنسانيّة ومثلاً عليا ورسالة عالميّة في كنف السيادة والاستقلال.
ويشهد الله أنه ما كان ليصغي في كلّ ما قال وفعل إلا لصوت ضميره ووجدانه.
فبالحقّ كان عنيدًا، وكانت كلمة الحقّ تجد دومًا سبيلاً قويمًا إلى نفسه.
أيها الصّديق الكريم.. والرّاحل العزيز،
ها نحن اليوم عندك، في بلدتك، بين رهط من محبّيك وقادري
ثقافتك ونبوغك، وكأنّي كما عرفتك، أخالك تنادينا أنّ للحزن عليّ يومًا أما باقي الأيّام فللبنان.
ولا عجب، فنحن في هذه الظروف بأمسّ الحاجة إلى أمثالك من المؤمنين بوطنهم، العاملين في سبيله فعلاً لا قولاً، لكي يستنهضوا الهمم، ويحثّوا الشعب على الصمود من أجل المحافظة على هذا الوطن كرامة وحريّة وسيادة وحدودًا.
تلك كانت آراؤك، وهذا كان نهجك في كلّ اجتماع عقدناه في الرابطة.
فكم سنفتقد بعد اليوم، وعند كلّ اجتماع مقبل، الفكر النيّر، والابتسامة الحلوة، والرأي السّديد العابق بالترفّع وبُعد النظر؟
سنتحدّث دومًا في اجتماعاتنا عن عبقريٍّ مرّ بنا وذهب.. ليترك خلفه حكاية سنبقى ننعم بذكرها ما بقي الإخلاص والوفاء.
هكذا تنتهي حياة المجاهد العبقريّ ليبقى أريجها نسيمًا في ربيع الذكريات.
أيها الرّفيق المحبّ،
إذا كان لنا من دعاء نرفعه اليوم إلى الله، عزّ وجلّ، فهو أن يبيّض وجهك في عليائه بقدر ما بيّضت وجه وطنك في دنياك، رحمات الله عليك.