غيابه

كلمات من المأتم

كلمة القاضي نسيب طربيه

كلمة القاضي نسيب طربيه

عندما يصيب القدر – بالسّهم الواحد – كلّ هذا القدر من القيم والسّجايا والمكارم تتّخذ المأساة حجم الفاجعة، فتبدو هزيلةً كلّ كلمة  تقال، ويصبح الصّمت الكبير، الصمت الخاشع المنكسر، أفصح من كلّ بيان.

وما عسانا نقول ولم نصحُ بعد من ذهول الصّدمة؟

لم نصدّق بعد، وكيف يصدَّق أنّ بمثل هذه السهولة، بمثل هذه البساطة، يمكن أن يُمحى كحرف ميت، وأن يهوي كورقة خريف، وأن يُكسر كقصبة مرضوضة، كلّ هذا العالم الكبير، الغنيّ، المتشامخ، الذي كان أنطون قازان.

– أنطون المحامي الحامل أثقال الناس وهمومهم ومتاعبهم وشقاءهم عشرين سنة، ما زلّت به قدم على طريق الحقّ، ولا         صرف جهد ساعة إلا في سبيل العدل،

– وأنطون الأديب، ساكب الفكر النيِّر المبدع في الكلمة المتخيَّرة الأنيقة السّاحرة،

– وأنطون الإنسان المتجسّدة فيه كلّ قيم المحبّة والخير، وكلّ شيم النبل والأنس والمصادقة ورقّة الحاشية،

أنطون قازان الذي ما تميّزت يومًا في شخصيّته الغنيّة صفة المحامي عن صفة الأديب، عن صفة الإنسان، فاستطاع بقدرةٍ نادرة أن يضع سحر الأدب في خدمة المحاماة، وأن يجنّد عبقريّة المحامي الأديب في خدمة قضيّة الإنسان الكبرى.. التي هي العدل.

لا…

لا يصدَّق أنّ كلّ تلك المواهب ستغيب إلى الأبد وهي في أوج تألّقها وسخاء عطائها.

وأنّ غدًا سيطلع فلا نقرأ رائعة جديدة لأنطون قازان،

ولا نسمع الصّوت المليء الدافئ يُسكر بالسّحر رحاب قصر العدل،

ولا تطالعنا تلك الابتسامة الدائمة العذوبة، سبيل روحه الرقيقة الشفّافة إلى كلّ قلب.

فيا إخوتنا المحامين،

مصابنا ومصابكم واحد.

فكما نحن شركاء قضيّة، نحن شركاء تضحية.

لن نقدّم لك، يا سيدي النّقيب، العزاء، بل لنرفع معًا الدعاء الذي أستعيره من كلمات أنطون قازان نفسه :

“أللهمّ.. قضاةً ومحامين، كلمة ولو على حساب أعمارنا !”