تساءلت هل خسرك لبنان أم لأننا لم نعرف أن نستغلّك خسرنا لبنان.
يا صديقي الكبير،
إنّ البكاء عليك سيبقى قاصرًا ودونك. لو يعرفك كلّ لبنان كما عرفك هؤلاء الشباب الذين أبوا إلا أن يرقّصوا نعشك كأنهم في عرسك وكأنهم هم عروسك. أثّروني هؤلاء الشباب. كانوا أكثر منا دمعًا، لأنهم لم يتصوّروا كيف يمكنك أن تفلت من أيدي المجد اللبنانيّ.
هؤلاء الألوف، الذين يحضرون موت العظيم اليوم، عليهم أن يحملوا النعيّ إلى كلّ صخرة من صخورنا، يقولون لها إنّ بعضًا من شممك يا صخرة هبط اليوم قليلاً بعد أن دفنّا أنطون قازان.
هذا الرجل الذي أُحبّه كما تحَبّ ملائكة السّماء لفرط ما كان قدّيسًا، هذا الرجل الذي أجلّه كما أجلّ الشّعر لأن الشّعر بعده في لبنان أصبح أشمخ، هذا الرجل الذي أحترمه كما احترامي للكلمة لأنه كان أجمل كلمة تفوّه بها هذا العصر، هذا النّبيل النّبيل، إبن الأسرة التي كانت للبنان سيفًا وكتابًا وسطر مجد.
هذا العظيم الذي نبكي اليوم.. ستقصر عنه المراثي. أنا أعرف أنّه غدًا، في كلّ صفّ من صفوفنا، سيقوم الأستاذ ويرثي من كان يعلّمهم منه خطبة أو محاضرة أو فكرة. أنا أعرف أنّ المحاكمات في لبنان ستبدأ غدًا بتنكيس رأس أمام قوس العدل لأن العدل قد قلّ بذهاب هذا العظيم. أنا أعرف أنّ شموخ الشمس في لبنان سيشوبه بعض من سواد لأنّ الوجه الصحيح الذي كان يطلّ علينا لن يطلّ بعد اليوم.
بكيتك يا صديقي، وكنت منذ أشهر، يوم عرّفتَ بي كواحدة من تعريفاتك لي في هذا الصّرح الجميل الذي بني في هذه البلدة الجميلة، رحت أردّ عليك بما راحت تجود به عليّ الخاطرة، فلم أدرِ أنني يومئذٍ أرثيك لفرط ما قلت فيك يا عظيم عظمائنا. لا، لم تأخذ عن المتنبّي وعن أبي تمّام شعرك ونثرك. أخذت من هذه القمم الشامخة التي أطلعت الإله إيل، ذلك الذي تلفّظ بالمحبّة قبل أن نزل من السّماء إله المحبّة. كلّ كلمة من كلماتك فيها شيء من أرضنا ومن سمائنا. فيها من فخر الدين، فيها من فتوحات أليسار.
وددت أن أرثيك بكلمة، لكنّ لبنان من بعدي سينكّس رأسه لأنه لم يستغلّك كفاية، ولكنه سيكبر لأنك ذات يوم مررتَ على أرضه.